Featured Video

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

أحمد مدحت يكتب: تحذير.. من داخل المعتقل للرئيس



أحمد مدحت يكتب: تحذير.. من داخل المعتقل للرئيس


أحمد مدحت يكتب: تحذير.. من داخل المعتقل للرئيس
أحمد مدحت
وكيف لا استطيع أن أوجه لك التحية يا حضرة الرئيس؟ لابد لمن هو في مثل موقفي أن يحيي جلّاديه.

تحية، وبعد..

أكتبُ إليكَ الآن من زنزانتي.. حجرة ضيقة، أرضها مبللة بماء ذو رائحة كريهة؛ كنوع من العقاب المعروف في معتقلنا هنا.. أجلس وحيدًا، أكتبُ إليكَ، تتنازعني مشاعر مضطربة، متضادة.. أرجو مِنكَ أن تتحمل اضطراب كتابتي؛ فانت تقرأ لرجل كاد أن ينتهكوا عِرضه منذ ساعات.

نعم، لقد كاد الضابط المحقق، بمعاونة بعض عساكره، أن ينتهك عرضي؛ بإدخال عصا طويلة في مؤخرتي.. ما زلتُ حتى الآن، وأنا أمسك القلم وأكتب، تحت وطأة الذعر الذي انتابني حينها.. لا مجال هنا للحديث عن الشجاعة أو الثبات، وقد خلعوا عني كل ملابسي، ووقفت عاريًا بين أيديهم، فرجوا ساقيَّ رغمًا عني، بينما يقف الضابط ممسكًا العصا، ويسبني بأمي، ويتعهدني بأن يجعلني أحطّ من امرأة عاهرة، بينما أنا أرتعد، وصفير الدماء يعلو في أذني؛ حتى لا أسمع سواه، ودقات قلبي، قلبي الذي كاد يخرج من بين ضلوعي من شدة خفقانه لحظاتها.. كنتُ خائفًا، مهزومًا.. نعم، لم أشعر بوطأة الخوف في حياتي كما أحسستُ به حينها، ذعر يتجاوز الإحساس بالإهانة حتى.. صحيح أن هذا الذعر هو ما أنقذني، حيث اندفع ما بأحشائي من فتحة الشرج؛ ليغرق أرضية الحجرة وأحذية الضابط وجنوده، والذي جعل الضابط يشعر بالقرف مني، ويزهد في هتك عِرضي، إلا أن الإنسان بعد يخرج من مثل التجربة، يشعر كأنه وُلِد من جديد.. وُلِد مسخًا لا يعرفه.

عشتُ عمري كله ساخطًا على مرض أمي الدائم، منذ تفتَّح وعيي على العالم وهي مريضة، تشكو وجع مفاصلها؛ حتى تعودنا جميعًا قلة حركتها، ولكني الان أشعرُ بالامتنان لله تعالى، الذي جعل من مرضها درعًا يحميها مما ناله بعض أمهات رفاقي هنا في المعتقل.. إذا ما سألتني: "ما هي امنيتك الآن؟"، ستتوقع ان أجيبك بأني أريد أن أخرج من سجني، ولكن لا، هناك أمنية تسبق الحرية لديَّ: أريد أن أطرد نظرة محمود، والاسم مستعار طبعًا، والذي اغتصبوا أمه أمامه منذ بضعة أيام.. صدقني، كل ما أتمناه ان أطرد تلك النظرة التي تحاصرني في كل مكان، أراها على الجدار، في كوابيسي، كأنها هي العالم الذي يكتنفني. هل تخيلت من قبل، سيادة الرئيس، ميتًا ينظر إليك وهو في كفنه؟

بالتأكيد لا أكتب إليك؛ لأشكو لكَ أحوالنا هنا في المعتقل، أو لأنقل إليكَ ما لا تعلمه.. أنا أعلم تمام العلم أنك تعلم كل ما نتعرض له هنا، وانت راضٍ عنه، ولا مجال لاستعطافك طبعًا.. كل هذه سذاجة، وأنا لم أدفع كل ما أملكه في الحياة؛ لكي أضمن أن يصلك هذا الخطاب؛ لكي أضيع رسالتي في سذاجة.

أكتبُ إليك محذرًا يا سيادة الرئيس؛ فحياتك في خطر.. لا تفهم سوءًا بأني أنتوي قتلك، أو أنوي المشاركة في هذا.. لا، ليس في هذا الاعتقاد شيء من الحقيقة أبدًا.. فقط أنا أنقل لك صوت السجن، والذي لن ينقله لكَ رجالك أبدًا.. أعرف أنك على قمة جبل ثقتك الآن، بعد أن دانت لك البلاد وما عليها، والجوقة من حولك لا تتوقف عن التسبيح باسمك وعظمتك وجلال حكمتك وجمال حُكمك، وسيظلون هكذا، حتى لو دهستنا دباباتك في السجون، وأذاعت قنواتك وقائع دهسنا على الهواء.. سيجد إعلامك مبررات قوية لدهسنا أحياء، وسيقتنع الناس بها.. ولكن، وبعد أن استعديت جميع من خالفك، ووضعتنا جميعًا في سجونك، ماذا تتوقع ممن أفقدتهم كل إنسانية في كل لحظة تمر عليهم هنا؟
الحديث الأكثر رواجًا بيننا الآن، وخاصة بين زملائنا الإسلاميين، أن أي حل لما نحن فيه يبدأ من قتلك.. في السجن، لا كذب، تلك هي الحقيقة التي تدركها مع الأيام هنا.. حتى خصوم الماضي، صاروا اليوم أصدقاء.. السجن يًجمِّع ويؤلف قلوب رواده.

ولماذا أتعب نفسي وأحذرك؟ دعني أصارحك بأن نَفْسي تتنازع بين إجابتين: لا أرى ان مقتلك حلًا لما نحنُ فيه؛ بل سيزيد الأمور سوءًا على كافة الأصعدة، وأكثر النتائج سوءًا في مخيلتي هي أنه سيتم تخليدك في التاريخ، والوجدان الشعبي، كبطل وضحية للإرهاب الغاشم! الإجابة الثانية لها علاقة بعقلي الباطن، الذي أظن أنه يستعذب تعذيبك.. أعلم أن خطابي هذا سيكون مصدر قلقك ورعبك في الأيام القادمة، حتى لو لم تصدقه، وهذا هو الاحتمال الغالب، ولكنك لن تستطيع أن تمنع نفسك من الخوف. ستموت كل يوم ألف مرة.

لو كان لي أنصحك؛ فأنصحك بأن تخاف.. قد تأتي الخيانة من أقربهم إليك.. زوجتك، رجال أمنك، حرسك الخاص؟ قد يكون الموت أقرب إليك من حبل الوريد.

والسلام ختام..


(هوامش: ما قرأته هو خطاب بعث به أحد معتقلي السبعينيات للرئيس أنور السادات، قبل اغتياله بأشهر قليلة.. صفحة من صفحات تاريخ الخيبة، الذي ما يزال مُصِرًا على أن يعيد نفسه، ويُذكِّرنا بخيبتنا التي لم تتغير).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More